هل يصبح الوقود الحيوى رافعة للاقتصاد؟

في ظل التحديات المتزايدة التي يواجهها العالم نتيجة الاعتماد المفرط على مصادر الطاقة التقليدية، يبرز الوقود الحيوي كأحد البدائل الواعدة في منظومة الطاقة المستدامة، بفضل ما يتمتع به من مزايا بيئية واقتصادية، يعتمد هذا الوقود على مصادر متجددة مثل الكتلة الحيوية النباتية والحيوانية، مما يجعله خيارًا استراتيجيًا للتحول بعيدًا عن الوقود الأحفوري المسبب لانبعاثات الكربون وتغير المناخ.
وقد ازدادت وتيرة الاهتمام العالمي بهذا النوع من الوقود، خصوصًا مع تصاعد الضغوط الدولية لتقليل الانبعاثات وتحقيق أهداف اتفاق باريس للمناخ، وتوجه الدول نحو اقتصاد منخفض الكربون وأكثر اعتمادًا على الطاقة النظيفة.
نظّمت جمعية المهندسين الكيميائيين ندوة موسعة تحت عنوان: “إنتاج الوقود الحيوي مصدر الطاقة البديلة والمستدامة”، وذلك في إطار تفعيل الدور العلمي والمهني للنقابات والجمعيات الهندسية، وتعزيز الحوار حول مستقبل الطاقة النظيفة في مصر، ودعم أهداف الدولة في التحول نحو الاقتصاد الأخضر والتنمية المستدامة.
وقد شارك في الندوة نخبة من المهندسين والأكاديميين والخبراء والباحثين، وكان من أبرز المتحدثين تامر هيكل، رئيس مجلس إدارة شركة إنتاج وقود الطائرات المستدام، الذي قدّم رؤية علمية وعملية شاملة حول مستقبل الوقود الحيوي كأحد أهم بدائل الطاقة الآمنة والصديقة للبيئة.
خلال الندوة، استعرض تامر هيكل السياق العالمي المتسارع نحو تخفيض الاعتماد على الوقود الأحفوري في ظل التحديات المناخية والالتزامات الدولية بخفض الانبعاثات الكربونية، مشيرًا إلى أن الوقود الحيوي يمثل حلًا واعدًا يجمع بين الجوانب البيئية والاقتصادية.
وأوضح أن العالم بدأ بالفعل في اعتماد هذا النوع من الوقود بشكل واسع، خاصة في قطاعي النقل والطيران، حيث أصبح وقود الطائرات المستدام (SAF) أحد الحلول الأساسية لتقليل البصمة الكربونية، مع قدرته على التوافق مع المحركات الحالية دون الحاجة إلى تعديلات تقنية مكلفة.
وأكد أن الوقود الحيوي يُنتج من مصادر عضوية مثل المخلفات الزراعية، وزيوت الطهي المستعملة، والنباتات الزيتية، بما يحقق توازنًا بين استغلال الموارد الطبيعية وتقليل التلوث.
كما تناول المتحدث عددًا من التجارب الدولية الرائدة في هذا المجال، مثل تجربة البرازيل في إنتاج الإيثانول من قصب السكر، وتجربة الولايات المتحدة في تصنيع الديزل الحيوي من الذرة وفول الصويا، بالإضافة إلى المبادرات الأوروبية الطموحة التي تركز على استخدام الوقود الحيوي في وسائل النقل الجماعي والطيران.
وفيما يتعلق بالواقع المصري، أكد الدكتور تامر هيكل أن مصر تملك من المقومات ما يجعلها مؤهلة لتكون رائدة إقليميًا في هذا المجال، بدءًا من وفرة المواد الخام القابلة للتحويل إلى وقود حيوي، ووصولًا إلى البنية التحتية الصناعية، والخبرات البحثية المتراكمة في الجامعات والمراكز العلمية.
شدد هيكل على أن التحدي الأكبر يكمن في تهيئة البيئة التشريعية، وتوفير الدعم الحكومي المناسب، وتشجيع الشراكات بين القطاعين العام والخاص، من خلال سياسات واضحة، وحوافز استثمارية جاذبة.
وأوضح أن الوقود الحيوي لا يمثل مجرد بديل للطاقة، بل يعد مدخلًا اقتصاديًا وتنمويًا متكاملًا، لأنه يفتح المجال أمام استثمارات جديدة، ويوفر فرص عمل خضراء، ويسهم في تقليل فاتورة الاستيراد، وتحسين جودة الهواء، والمساهمة الفعالة في تحقيق أهداف التنمية المستدامة.
وقد خرجت الندوة بعدد من التوصيات الهامة، كان أبرزها ضرورة وضع استراتيجية وطنية واضحة لإنتاج الوقود الحيوي في مصر، وإنشاء هيئة وطنية للطاقة الحيوية، وتوفير حوافز للمستثمرين في هذا القطاع، إلى جانب دعم البحث العلمي المتخصص، وتعزيز التعاون بين الجهات الحكومية والمجتمع المدني لتسريع عملية التحول الطاقي.
ورغم أن الوقود الحيوي لا يخلو من تحديات معقدة، مثل التأثير على الأمن الغذائي واستخدام الأراضي الزراعية، إلا أن الأبحاث والتطورات التكنولوجية المتسارعة بدأت تفتح آفاقًا جديدة لتجاوز هذه العقبات.
إذ يتجه العالم حاليًا إلى إنتاج الجيل الثاني والثالث من الوقود الحيوي، المعتمد على المخلفات الزراعية والطحالب بدلًا من المحاصيل الغذائية، مما يقلل التنافس بين الغذاء والطاقة.
ويُعد الوقود المستخرج من الطحالب من أكثر الحلول الواعدة، نظرًا لنموها السريع وعدم احتياجها لمساحات زراعية كبيرة، وقدرتها العالية على إنتاج الزيوت اللازمة.
إن تبني سياسة وطنية متكاملة لدعم صناعة الوقود الحيوي في مصر يمكن أن يحقق مجموعة من المكاسب الاقتصادية والبيئية والاستراتيجية، مثل خلق فرص عمل جديدة، وجذب الاستثمارات الأجنبية، وتقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري المستورد، وتحسين الصحة العامة من خلال تقليل التلوث الهوائي، بالإضافة إلى ترسيخ مكانة مصر كمركز إقليمي للطاقة المستدامة.
ومع التزام الدولة بتعزيز الاقتصاد الأخضر، فإن الوقود الحيوي يُمثل فرصة حقيقية للانطلاق نحو مستقبل طاقي أكثر نظافة وأمانًا وكفاءة.